معاني حسن النية
صفاء النية وحسنها، يمكن أن يفسر بعدَّة تفسيراتٍ غير متنافية، بمعنى أنها يمكن أن تصدق جميعاً :
1ـ أن يكون العمل خالياً من قصد الإضرار بالآخرين. وبالنتيجة من ظلم الآخرين، لأنَّ الإضرار بمن لا يستحقُّ ظلمٌ واضح.
2ـ أن يكون العمل خالياً من الإضرار بالنفس، بحسب الواقع، سواءٌ عرف الفاعل ذلك أم غفل عنه.
فإنَّ عدداً من أعمالنا يبدأ ضررها بنا قبل أن يصل إلى الآخرين، ونحن قد لا نكون ملتفتين، فنكون ممن [يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً][[4]] ونكون كما قال جلَّ جلاله: [وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ][[5]] لأنَّ النفس تحتاج إلى التربية والعناية، فكلُّ عملٍ غير موافق لذلك فهو ظلمٌ للنفس.
3ـ أن يكون العمل خالياً من الهدف السيِّء، ولو في المدى البعيد، علم به الفردُ أم لم يعلم. ولكنه إن كان عالماً ملتفتاً كان ظلمه أكبر. ومن هنا قال الشاعر[[6]]:
إذا كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ
وإن كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ
فالخلوُّ من مثل هذا الإستهداف شكلٌ من أشكال خلوص النية وحسنها بلا شك.
4 ـ أن يكون العمل ناتجاً من قلبٍ طاهرٍ ونفسٍ صافية. ليكون ذا نيةٍ حسنة، وإلا لم يكن متصفاً بهذه الصفة.
ومن هنا نجد أنَّ ذوي النفوس الشريرة تكون كلُّ أعمالهم غيرَ نقية، وكلُّ نياتهم غيرَ حسنة، لأنها ناتجةٌ من نفوسهم تلك، فهي تمثلها وتعكس شرَّها بشكلٍ وآخر.
5ـ أن يكونَ العمل خالياً وخالصاً من الطمع المتزايد بالدنيا، وحاوياً على درجةٍ من درجات القناعة.
فإن كان مستهدفاً للطمع المتزايد بالمال أو الجاه أو السمعة أو السيطرة، بدون مصلحةٍ عامَّةٍ في ذلك، كان عمله غير متصفٍ بخلوص النية.
6ـ أن يكون العمل خالياً وخالصاً من الطمع بالدنيا عموماً، وليس فقط بالشيء المتزايد منها، كما في الوجه السابق.
وبذلك ينبغي الإقتصار على ضروريات الحياة والقناعة بها عن الباقي، لتكون النية خالصة. وكلُّ عملٍ زاد على ذلك فهو عن نيةٍ سيئة.
وهذه القناعة لا يمكن أن تحصل عبثاً، وإنما تحصل لأجل الحصول على الجانب الآخر من الحياة، بمعناها الأوسع والأكبر، وهو الجانب الأخروي.
7ـ أن يقصد الفرد بعمله تحصيلَ غفران الله سبحانه وتعالى لذنوبه وستره لعيوبه.
8ـ أن يقصد الفرد بعمله تحصيل رضوان الله سبحانه وليس الغفران فقط، كما في الوجه السابق. لوضوح أنَّ درجة الرضوان أعلى من درجة الغفران.
وسيأتي عن قريبٍ بعونه سبحانه معاني التقرب إلى الله سبحانه، فيكون كلُّ عملٍ قصد به أيُّ معنى من معاني التقرب ذا نيةٍ خالصة، وبخلافه يكون ذا نيةٍ مشوبةٍ أو سيئة.